(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، ثُمَّ ماتُوا ، وَهُمْ كُفَّارٌ ، فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) أي إن الذين جحدوا توحيد الله ، ومنعوا الناس عن دين الله تعالى واتباع رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وماتوا وهم مصرون على الكفر ، فلا مغفرة لهم ، بل إنهم معاقبون في النار. قال مقاتل : نزلت في رجل سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن والده ، وقال : إنه كان محسنا في كفره. وعن الكلبي : نزلت في رؤساء أهل بدر.
ونظير الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء ٤ / ٤٨]. ولا تسامح أكثر من هذا ، فإن الله غفور رحيم لمن مات وهو مؤمن ، ولا مغفرة ولا رحمة بالموت على الكفر.
ثم بيّن سبحانه ألا حرمة للكافر في الدنيا والآخرة ، وأمر بقتال الكفار ، فقال :
(فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ، وَاللهُ مَعَكُمْ ، وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أي فلا تضعفوا عن القتال أيها المؤمنون ، ولا تدعوا الكفار إلى الصلح والمسالمة ابتداء منكم ، وإظهارا للعجز والضعف ، فإن ذلك لا يكون إلا عند الضعف ، ولا مانع من قبول السلم إذا جنح إليه المشركون ، أما في حال كونكم أنتم الأعلون : الغالبون القاهرون المستولون على أعدائكم ، فلا تبدؤوهم بطلب الصلح ، والله معكم بالنصر والمعونة عليهم ، ولن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم.
وقوله (وَاللهُ مَعَكُمْ) فيه بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء.
فأما إذا كان الكفار في حال قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين ، ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة ، فله أن يفعل ذلك ، كما فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين صدّه كفار قريش عن مكة ، ودعوه إلى الصلح وإنهاء الحرب بينهم وبينه عشر سنين ، فأجابهم صلىاللهعليهوسلم إلى ذلك.