باعوا أنفسهم من الله بالجنة ، ولأن طاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم هي طاعة الله تعالى في الحقيقة.
ثم أكّد هذا المعنى بقوله : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) أي أن عقد الميثاق مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم كعقده مع الله سبحانه على السواء ، وأن الله هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم ، وهو تعالى المبايع بواسطة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ، وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة ٩ / ١١١]. وأن نعمة الله عليهم بالهداية فوق إجابة البيعة ، كما قال تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ، قُلْ : لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ، بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) [الحجرات ٤٩ / ١٧]. والخلاصة :أن قوله : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) استئناف مؤكد للكلام السابق من أن مبايعة الرسول صلىاللهعليهوسلم مبايعة لله تعالى.
(فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ ، فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي يتفرّع عن البيعة مع الله أنه من نقض العهد مع النّبي صلىاللهعليهوسلم ، فإنما وبال ذلك وضرره على الناقض نفسه ، لا يجاوزه إلى غيره.
ومن وفّى بالعهد وثبت عليه ، ونفّذ ما عاهد عليه الرّسول صلىاللهعليهوسلم في البيعة ، فسيؤتيه الله ثوابا جزيلا ، ويدخله الجنة ، كما قال تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) [الفتح ٤٨ / ١٨].
وهذه البيعة كما تقدّم هي بيعة الرّضوان التي كانت تحت شجرة سمرة بالحديبية ، وكان الصحابة رضياللهعنهم الذين بايعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ على الأصح ألفا وأربع مائة ، وقيل : ثلاث مائة أو خمس مائة.