رابعا ـ حسبوا أن لن يكذب الإنس والجن على الله ، فلذلك صدقناهم فيما سلف في أن لله صاحبة وولدا ، فلما سمعنا القرآن تبيّنا به الحقّ.
خامسا ـ كان الرجل في الجاهلية إذا سافر فأمسى في قفر من الأرض قال : أعوذ بسيد هذا الوادي ، أو بعزيز هذا المكان من شرّ سفهاء قومه ، فيبيت في جوار منهم حتى يصبح ، فزاد الإنس الجنّ طغيانا وعتوا بهذا التعوذ ، حتى قالت الجن : سدنا الإنس والجن. وقيل : ازداد الإنس بهذا فرقا وخوفا من الجن ، وقيل : زاد الجنّ الإنس رهقا أي خطيئة وإثما.
ويقال بدلا من هذه الاستعاذة : ما جاء في حديث أخرجه أبو نصر السجزي في الإبانة عن ابن عباس ، وقال : غريب جدا : أنه صلىاللهعليهوسلم قال : إذا أصاب أحد منكم وحشة أو نزل بأرض مجنّة (١) ، فليقل : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزها برّ ولا فاجر من شرّ ما يلج في الأرض ، وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، ومن فتن النهار ، ومن طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير.
سادسا ـ ظن الإنس كما ظن الجن أن لن يبعث الله الخلق ، أو ظنت الجن كما ظنت الإنس أن لن يبعث الله رسولا إلى خلقه يقيم به الحجة ، وكل هذا توكيد للحجة على قريش ، فإذا آمن هؤلاء الجن بمحمد ، فأنتم أحق بذلك. وعلى هذا يكون الكلام كلام الجن ، وهو الظاهر.
ويحتمل أن يكون الكلام من قول الله تعالى للإنس ، والمعنى : وأن الجن ظنوا كما ظننتم يا كفار قريش.
وعلى كلا التقديرين : دلت الآية على أن الجن كما كان فيهم مشرك ويهودي ونصراني ، فيهم من ينكر البعث.
__________________
(١) أرض مجنة : أي ذات مجنة.