وتكريم فإن نسبت المساجد لغير الله ، فتنسب إليه تعريفا ، فيقال : مسجد فلان.
وهذا دليل على أن الله تعالى أمر عباده أن يوحدوه في أماكن عبادته ، ولا يدعى معه أحد ، ولا يشرك به.
وقال الحسن البصري : أراد بالمساجد البقاع كلها ، قال صلىاللهعليهوسلم فيما رواه الشيخان والنسائي عن جابر : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا كأنه تعالى قال : الأرض كلها مخلوقة لله تعالى ، فلا تسجدوا عليها لغير خالقها. وقال أيضا : من السنة إذا دخل الرجل المسجد أن يقول : لا إله إلا الله ؛ لأن قوله : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) في ضمنه أمر بذكر الله وبدعائه.
ثم ذكر الله تعالى النوع الرابع من جملة الموحى فقال :
(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) أي وأنه لما قام النبي محمد صلىاللهعليهوسلم يدعو الله ويعبده ، كاد الجن يكونون عليه جماعات متراكمين من الازدحام عليه ، لسماع القرآن منه ، وتعجبا مما رأوا من عبادته ؛ لأنهم رأوا ما لم يروا مثله ، وسمعوا ما لم يسمعوا مثله ، فالضمير في (كادُوا) للجن ، وقيل : الضمير للمشركين.
وقال جماعة (١) : لما قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : لا إله إلا الله ، ويدعو الناس إلى ربهم ، كادت الإنس من العرب الكفار والجن يتزاحمون عليه متراكمين جماعات ليطفئوا نور الله ، ويبطلوا هذا الأمر ، فأبى الله إلا أن ينصره ويتم نوره ويظهره على من ناوأه ، فالضمير في (كادُوا) للإنس والجن. وهذا اختيار ابن جرير وقول قتادة. والأظهر كما ذكر ابن كثير ، لقوله تعالى بعده :
__________________
(١) هم ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وابن زيد والحسن البصري وقتادة.