(قُلْ : إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) أي قل يا محمد لهؤلاء الذين تجمعوا عليك لإبطال دينك : إنما أدعو ربي ، وأعبده وحده لا شريك له ، وأستجير به ، وأتوكل عليه ، ولا أشرك في العبادة معه أحدا.
ثم فوض أمر هدايتهم إلى الله ، فقال تعالى :
(قُلْ : إِنِّي ، لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) أي لا أقدر أن أدفع عنكم ضررا ، ولا أجلب لكم نفعا في الدنيا أو الدين ، إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ، ليس لي من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم ، بل المرجع في ذلك كله إلى الله عزوجل. وفي هذا بيان وجوب التوكل على الله تعالى ، والمضي في التبليغ دون مبالاة لتظاهرهم عليه ، وتهديده لهم إن لم يؤمنوا به.
وأكد الله تعالى ذلك المعنى وهو عجز نبيه عن هدايتهم بإعلان عجزه عن شؤونه وقضاياه ، فقال :
(قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ ، وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) أي قل يا محمد لهؤلاء القوم : لا يدفع عني أحد عذاب الله إن أنزله بي ، ولا نصير ولا ملجأ لي من غير الله أحد ، ولا يجيرني من الله ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها علي ، فأبلّغ عن الله ، وأعمل برسالاته ، أمرا ونهيا ، فإن فعلت ذلك نجوت ، وإلا هلكت ، وهذا كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ، فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ، وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [٥ / ٦٧].
ويصح كون الاستثناء : (إِلَّا بَلاغاً ..) من قوله تعالى : (قُلْ : إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) أي لا أملك لكم إلا البلاغ إليكم.
ثم ذكر جزاء العاصين الذين لا يمتثلون موجب التبليغ عن الله ،