ويؤكده ما جاء في حديث مسلم عن عمر حينما سأل جبريل عليهالسلام النبي صلىاللهعليهوسلم قائلا : فأخبرني عن الساعة؟ قال : «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل».
(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ، فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) أي إن الله وحده هو العالم بالمغيبات ، فلا يطلع على الغيب (وهو ما غاب عن العباد) أحدا منهم ، إلا من ارتضى من الرسل ، فإنه يطلعهم على بعض المغيبات ، ليكون معجزة لهم ، ودلالة صادقة على نبوتهم. وهذا يشمل الرسول الملكي والبشري ، كقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) [البقرة ٢ / ٢٥٥]. ومن أمثلة إخبار الرسل عن المغيبات قول عيسى عليهالسلام : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) [آل عمران ٣ / ٤٩].
ثم إن الله تعالى يجعل بين يدي الرسول ومن خلفه حرسا وحفظة من الملائكة ، يحرسونه من تعرّض الشياطين لما أظهره الله عليه من الغيب ، لضبط الوحي ، ويمنعون الشياطين من استراق الغيب ، لإلقائه إلى الكهنة. وفي الكلام إضمار وتقدير : إلا من ارتضى من رسول ، فإنه يطلعه على غيبه بطريق الوحي ، ثم يجعل بين يديه ومن خلفه حرسا من الملائكة أي الرصد. والرصد : الحفظة يحفظون كل رسول من تعرض الجنّ والشياطين.
والآية دليل على إبطال الكهانة والتنجيم والسحر ؛ لأن أصحابها يدّعون علم الغيب من غير دليل ، وهي دليل أيضا على أن الإنسان المرتضى للنبوة قد يطلعه الله تعالى على بعض غيوبه ، أما علم الكهنة والمنجمين فهو ظن وتخمين ، فلا يدخل في علم الغيب. وأما علم الأولياء وظهور الكرامات على أيديهم فهو إلهامي متلقى من الملائكة ، لا يرقى إلى درجة علوم الأنبياء.
وتأول الرازي الآية بأنه لا أدري وقت وقوع القيامة ، والله عالم الغيب ،