فلا يطلع أحدا على وقت وقوع القيامة ، فهو من الغيب الذي لا يظهره الله لأحد ، ثم قال الرازي : لا بد من القطع بأنه ليس مراد الله من هذه الآية ألا يطلع أحدا على شيء من المغيبات إلا الرسل ، للأدلة الآتية :
أحدها ـ أنه ثبت بالأخبار القريبة من التواتر أن شقا وسطيحا كانا كاهنين يخبران بظهور نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم قبل زمان ظهوره ، وكانا في العرب مشهورين بهذا النوع من العلم ، حتى رجع إليهما كسرى في تعرف أخبار رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، فثبت أن الله تعالى قد يطلع غير الرسل على شيء من الغيب.
والثاني ـ أن جميع أرباب الملل والأديان مطبقون على صحة علم التعبير ، وأن المعبّر قد يخبر عن وقوع الوقائع الآتية في المستقبل ، ويكون صادقا فيه.
والثالث ـ أن الكاهنة البغدادية التي نقلها السلطان سنجر بن ملك شاه من بغداد إلى خراسان ، وسألها عن الأحوال الآتية في المستقبل ، فذكرت أشياء ، ثم وقعت على وفق كلامها.
والرابع ـ أنا نشاهد ذلك في أصحاب الإلهامات الصادقة ، وليس هذا مختصا بالأولياء ، بل قد يوجد في السحرة أيضا من يكون صادقا في أخباره ، وإن كان يكذب في أكثر الأخبار ، وقد تطابق الأحكام النجومية الواقع وتوافق الأمور. وإذا كان ذلك مشاهدا محسوسا ، فالقول بأن القرآن يدل على خلافه ، مما يجر إلى الطعن في القرآن الكريم ، وذلك باطل ، فعلمنا أن التأويل الصحيح ما ذكرنا (١).
وفي رأيي أن علم الغيب الشامل مقصور على الله عزوجل ، حتى إن الملائكة كما في سورة البقرة في بدء الخلق ، والجن كما في سورة سبأ ، والإنس كما في أواخر
__________________
(١) تفسير الرازي : ٣٠ / ١٦٩