وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «جاورت بحراء ، فلما قضيت جواري هبطت فنوديت ، فنظرت عن يميني ، فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي ، فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي ، فإذا الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فجثثت (فزعت) منه رعبا ، فرجعت فقلت : دثّروني دثّروني». وفي رواية : «فجئت أهلي ، فقلت : زمّلوني زمّلوني» ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) وقال جمهور العلماء : وعلى إثرها نزلت (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ).
وعلى هذا يكون سبب النزول هو ما عراه صلىاللهعليهوسلم من الرعب والفزع عند رؤية الملك ، وتكون حادثة التزمل هي حادثة التدثر بعينها.
وقيل : إن تزمله صلىاللهعليهوسلم كان لأسفه وحزنه ، لمّا بلغه ما كان من المشركين وما دبروه من القول السيء يدفعون به دعوته ، فقد أخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن جابر رضياللهعنه قال : اجتمعت قريش في دار الندوة ، فقالوا : سمّوا هذا الرجل اسما تصدر الناس عنه ، فقالوا : كاهن ، قالوا : ليس بكاهن ، قالوا : مجنون ، قالوا : ليس بمجنون ، قالوا : ساحر ، قالوا : ليس بساحر ، قالوا : يفرق بين الحبيب وحبيبه ، فتفرق المشركون على ذلك ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم ، فتزمل في ثيابه وتدثر فيها ، فأتاه جبريل عليهالسلام ، فقال : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) ، (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ).
التفسير والبيان :
خاطب الله تعالى النبي صلىاللهعليهوسلم بالآيات التالية حينما كان يتزمل بثيابه أول ما جاءه جبريل بالوحي خوفا منه ، فإنه لما سمع صوت الملك ، ونظر إليه أخذته الرعدة ، فأتى أهله ، وقال : «زمنوني ، دثّروني» ثم بعد ذلك خوطب بالنبوة والرسالة وأنس بجبريل.