فيمكن جعل (مَنْ) اسما للخالق جل وعز ، ويكون المعنى : ألا يعلم الخالق خلقه ، كما يمكن جعلها اسما للمخلوق ، ويكون المعنى : ألا يعلم الله من خلق.
ولا بد من أن يكون الخالق عالما بما خلقه وما يخلقه.
ثم أقام الله تعالى الدليل على قدرته ، ونبّه إلى تمام نعمته ، فقال :
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً ، فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) أي إن الله هو الذي سخّر لكم الأرض وذلّلها لكم ، وجعلها سهلة لينة قابلة للاستقرار عليها ، لا تميد ولا تضطرب ، بما جعل فيها من الجبال ، وفجّر فيها الينابيع ، وشقّ الطرق ، وهيّأ المنافع ، وأنبت فيها الزروع وأخرج الثمار ، فسيروا في جوانبها وأقطارها وأرجائها حيث شئتم بحثا عن المكاسب والتجارات والأرزاق ، ولا يغني السعي شيئا عن تيسير الله ، لذا قال تعالى : (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) أي مما رزقكم وخلقه لكم في الأرض ، ومكّنكم من الانتفاع بها ، وأعطاكم القدرات على تحصيل خيراتها ، ثم اعلموا أنكم في النهاية صائرون إليه ، فإليه النشور ، أي البعث من قبوركم ، لا إلى غيره ، وإليه المرجع يوم القيامة ، فاحذروا الكفر والمعاصي في السر والعلن.
والآية دليل على قدرة الله ومزيد إنعامه على خلقه ، وعلى أن السعي واتخاذ الأسباب لا ينافي التوكل على الله ، وعلى أن الاتجار والتكسب مندوب إليه. أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضياللهعنه أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ،