وهذا دليل على أنه كان كافرا كفر عناد ، فهو في أعماق نفسه يقرّ بكون آي القرآن من عند الله ، ولكنه ينكر ذلك بلسانه إرضاء لقومه ، لذا استحق العقاب الآتي :
(سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) أي سأكلفه وأحمّله مشقة من العذاب ، لا راحة فيه ، كمن يتكلف صعود أعالي الجبال الشاهقة الوعرة. والإرهاق : أن يحمل الإنسان الشيء الثقيل الذي لا يطيقه.
وقيل : الصعود : جبل في النار ، روى ابن أبي حاتم والبزار وابن جرير عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) قال : «هو جبل في النار ، من نار ، يكلف أن يصعده ، فإذا وضع يده ذابت ، وإذا رفعها عادت ، فإذا وضع رجله ذابت ، وإذا رفعها عادت». ورواه الترمذي بلفظ : «الصعود : جبل من نار يتصعّد فيه سبعين خريفا ، ثم يهوي كذلك فيه أبدا». وقال فيه : حديث غريب. ثم حكى تعالى أحواله وكيفية اتخاذ قراره وكيفية عناده ، فقال :
(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) أي إنه فكر في شأن النبي صلىاللهعليهوسلم وفي القرآن العظيم ، وهيّأ الكلام في نفسه ما يقول ، وتروى ماذا يصف به القرآن حين سئل عنه ، ففكر ماذا يختلق من المقال ، فلعن وعذّب على أيّ حال قدّر ما قدر من الكلام ، وأكد ذلك قائلا : ثم لعن وعذب ، وأتى ب (ثُمَ) للدلالة على أن الدعاء عليه في المرة الثانية أبلغ وآكد من الأولى.
وهذا كله تعجب واستعظام من موقفه ، واستحقاقه مضاعفة العذاب. ثم وصفه بأحوال ظاهرة للناس فقال :
(ثُمَّ نَظَرَ ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقالَ : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) أي ثم أعاد النظر والتروي والتأمل في الطعن