يستحيل جمع العظام بدون القدرة الكاملة التي نبّه عليها بقوله : (أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) لأن من قدر على ضم سلاميات الأصبع مع صغرها ولطافتها كما كانت ، كان على ضم العظام الكبار أقدر. وإنما خص البنان وهو الأنملة بالذكر ؛ لأنه آخر ما يتم به خلقه ، فذكره يدل على تمام الأصبع ، وتمام الأصبع يدل على تمام سائر الأعضاء التي هي أطرافها.
وقيل : معنى التسوية : جعلها شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار ، بحيث لا يقدر على البطش. والمراد أنه قادر على ردّ العظام والمفاصل إلى هيئتها الأولى ، وعلى ضد ذلك.
(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) هذا إضراب عما سبق لتقرير أمر آخر ، وهو أن الإنسان يريد في الحقيقة أن يدوم على فجوره في مستقبل أيامه ، فيقدّم الذنب ، ويؤخر التوبة. قال سعيد بن جبير : يقدّم الذنب ، ويؤخر التوبة حتى يأتيه الموت على شرّ أحواله.
والخلاصة : أن إنكار البعث يتولد من شبهتين : الأولى ـ بأن يستبعد الإنسان اجتماع الأجزاء بعد تفرقها وتلاشيها ، والثانية ـ من التهوّر ، بأن ينكر المعاد بالهوى واسترسال الطبع والميل إلى الفجور.
فأجاب تعالى عن الشبهة الأولى بقوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ ..) وأنكر على صاحب الشبهة الثانية بقوله : بل يريد أن يكذب بما أمامه من البعث والحساب ، لئلا تنتقص عنه اللذات العاجلة ، كما قال تعالى :
(يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) أي يسأل سؤال استبعاد لوقوعه واستهزاء وتعنتا : متى يوم القيامة؟ ومن لم يؤمن بالبعث ارتكب أعظم الآثام ، وبادر إلى انتهاب اللذات غير عابئ بما يفعل.