٩ ـ استنبط القاضي ابن العربي من قوله تعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ..) ست مسائل وهي بإيجاز (١) :
الأولى ـ فيها دليل على قبول إقرار المرء على نفسه ؛ لأنها بشهادة منه عليه ، قال الله سبحانه : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النور ٢٤ / ٢٤].
الثانية ـ لا يصح الإقرار إلا من مكلف (بالغ عاقل) لكن بشرط ألا يكون محجورا عليه ؛ لأن الحجر يسقط قوله إذا كان لحق نفسه ، فإن كان لحق غيره كالمريض ، كان منه ساقط ، ومنه جائز ، كما هو مقرر في الفقه.
الثالثة ـ قوله تعالى : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) معناه : ولو اعتذر لم يقبل منه ، وقد اختلف العلماء في جواز الرجوع عن الإقرار في الحدود الخالصة لله تعالى : فقال أئمة المذاهب الأربعة على المشهور عند المالكية : يقبل رجوعه بعد الإقرار ، ويسقط الحد ، وهو الصحيح عملا بما رواه الأئمة ، منهم البخاري ومسلم : أن النبي صلىاللهعليهوسلم ردّ المقرّ بالزنى مرارا أربعا ، كل مرة يعرض عنه ، ولما شهد على نفسه أربع مرات ، دعاه النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : أبك جنون؟ قال : لا ، قال : أحصنت؟ قال : نعم. وقال لأصحابه ـ فيما رواه أبو داود وغيره ـ حينما هرب ـ أي ماعز ـ فاتبعوه : «هلا تركتموه ، لعله أن يتوب ، فيتوب الله عليه».
وروي عن مالك أنه قال : لا يعذر المقر إلا إذا رجع لشبهة ، عملا بحديث : «لا عذر لمن أقرّ» (٢).
الرابعة ـ قال ثعلب : معنى قوله تعالى : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) أنه إذا اعتذر يوم القيامة وأنكر الشرك ، لا ينفع الظالمين معذرتهم ، ويختم على فمه ،
__________________
(١) أحكام القرآن : ٤ / ١٨٧٨ ـ ١٨٨٢
(٢) بداية المجتهد : ٢ / ٤٣٠ ، الدردير والدسوقي : ٤ / ٣١٨