به أنه يحق لك أن تمشي هكذا ، وقد كفرت بخالقك وبارئك ، كما يقال في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد ، وهو كقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان ٤٤ / ٤٩] وقوله سبحانه : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً ، إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) [المرسلات ٧٧ / ٤٦] وقوله عزوجل : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) [الزمر ٣٩ / ١٥] وقوله عز من قائل : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت ٤١ / ٤٠].
قال قتادة والكلبي ومقاتل : أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيد أبي جهل ، ثم قال : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) توعده ، فقال أبو جهل : بأي شيء تهددني؟ لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا ، وإني لأعزّ أهل هذا الوادي ، ثم انسلّ ذاهبا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، كما قال له الرسول عليه الصلاة والسلام. ولما كان يوم بدر أشرف على القوم فقال : لا يعبد الله بعد هذا اليوم ، فقتل إذ ذاك شرّ قتلة.
ثم أقام الله تعالى دليلين على صحة البعث لتأكيد ما جاء في أول السورة : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) :
الأول ـ (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) أي أيظن أن يترك الإنسان في الدنيا مهملا ، لا يؤمر ولا ينهى ، ولا يكلف ، ولا يحاسب ولا يعاقب بعمله في الآخرة؟ وهذا خلاف مقتضى العدل والحكمة ، فلا بد من الجزاء حتى لا يتساوى المؤمن والكافر ، والطائع والعاصي ، واقتضت الحكمة الإلهية تأجيل الجزاء إلى عالم الآخرة ، وترك تعجيله ، ليتسنى وجود الفرصة المواتية الكافية في أثناء العمر والحياة للإيمان والصلاح ، كما قال تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) [طه ٢٠ / ١٥]. وقال سبحانه : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص ٣٨ / ٢٨].