قال ابن ابي الحديد : « إن عثمان لما أعطى مروان وغيره بيوت الاموال ، واختص زيد بن ثابت بشيء منها ، جعل أبو ذر يقول بين الناس ، وفي الطرقات ، والشوارع : بشر الكانزين بعذاب أليم ! ويرفع بذلك صوته ، ويتلو قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . » ١
وهذه الآية إنما تندد وتتوعد فئة معينة من أصحاب الثروة . وهم الذين يجمعونها من طرق غير مشروعة ، كالذين كانوا يأخذون ما أفاء الله على المسلمين ، ويستأثرون به دون غيرهم ، في عهد عثمان ، بأرقام خيالية ، كما عرفنا . أو الذين يأخذونها عن طرق مشروعة ـ كالكسب ـ ولكن لا يؤدون زكاتها المفروضة .
فقد ورد عن النبي ( ص ) لما نزلت هذه الآية . قال : « كل ما يؤدي زكاته فليس بكنز ، وان كان تحت سبع أرضين ، وكل مال لا يؤدى زكاته ، فهو كنز ، وان كان فرق الارض ٢ .
وقد ذكر البخاري هذه الآية في كتاب الزكاة ٣
وأبو ذر ، رضي الله عنه ، أكرم مقاما وأعلى شأنا من أن يتخذ مذهبا معينا في المال ، في قبال ما هو ضروري في الاسلام ـ كما يدعي بعض المؤرخين ـ كيف وهو نفسه كان يمتلك الشياه والمواشي ، ويأخذ عطاءه كل سنة والبالغ أربعمائة دينار ذهباً . ؟
إذن كان تكريره لهذه الآية على سبيل إلفات المسؤولين ـ آنذاك ـ
__________________
(١) المصدر السابق / ٢٥٦ .
(٢) الميزان ٩ / ٢٥٦ .
(٣) البخاري / باب اثم مانع الزكاة ٢ / ١١٠ .