فالقول بالأفواه ما ليس في القلوب نفاق عارم ، كما أن تطابق القول والقلب ـ لا سيما مع الفعل ـ إيمان صارم ، وبينهما عوان من الإيمان والنفاق يعبر عن صاحبه ب (الَّذِينَ آمَنُوا) إيمانا مبدئيا مهما اختلفت درجاته (١).
وقد تعني (الَّذِينَ نافَقُوا) كل المتخلفين في تلك المعركة ، ف «المؤمنين» هم ـ إذا ـ صادقوا الإيمان ، فإن «نافقوا» وجاه «المؤمنين» تعبير قاصد ، ولكن الوجه الأول أوجه فان «تعالوا ..» تشي إلى تخلفهم عن أصل القتال والدفاع ، فقد لا تشمل المتخلفين ضمن المعركة فضلا عن الذين هموا أن يفشلوا.
(الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ١٦٨.
«لإخوانهم» هنا كما «لإخوانهم» فيما مضى : (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا ...) (١٥٦).
ثم «وقعدوا» حال عن القائلين لإخوانهم قيلتهم الغيلة ، والجواب تعجيز لهم على غرار قيلتهم (قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ) بقعود وسواه من أسباب الفرار عن الموت فيما تزعمون (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في (لَوْ أَطاعُونا ...).
ذلك ، ولكن الدرء عن الموت أمر والدرء عن القتل أمر آخر ، فاستحالة
__________________
(١) مصباح الشريعة قال الصادق (عليه السلام) في كلام طويل ومن ضعيف يقينه تعلق بالأسباب ورخص لنفسه بذلك واتبع العادات وأقاويل الناس بغير حقيقة والسعي في امور الدنيا وجمعها وإمساكها ، مقر باللسان انه لا مانع ولا معطي إلا الله وان العبد لا يصيب إلا ما رزق وقسم له والجهد لا يزيد في الرزق وينكر ذلك بفعله وقلبه قال الله تعالى (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ...).