(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) ٢.
هذه الآية تحمل ثلاث مراحل من قرب أموال اليتامى :
١ (آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) وإن لم تأكلوها ولم تتبدلوا الخبيث بالطيب.
٢ ثم (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) وإن لم يكن أكلا لها عن بكرتها.
٣ ومن ثم (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) تحسّبا أموالهم أموالكم ، لأنها عندكم ، فكما أنهم يعيشون في ظل رعايتكم وأموالهم على هامش أموالكم وهي بأيديكم ، فتأكلون أموالهم أكلا كما يأكلون أموالكم ، فهما غاية واحدة مهما كان الأصل أموالكم.
كل ذلك حياطة وسياجا صارما على أموال اليتامى عن بكرتها فلا تقرب إلّا بالتي هي أحسن ، حتى الحسن ، فالقرب الحسن بالنسبة لأموال غير اليتامى حسن ولكنه بالنسبة لأموال اليتامى سيّ حيث الفرض والمسموح هو الأحسن (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ).
وإذا كانت تقوى الأرحام فرضا في شرعة القرآن قضية القرابة المتواصلة فيها قريبة أم غريبة ، فتقوى الأيتام أحرى فرضا ، لأنهم هم المنقطعون عمن يعولهم ، ولا سيما المنقطعون عن الرحم البعيدون نسبا ، فأصل اليتم هو الانفراد وهو هنا الانفراد عن كافل الحياة حال الحاجة الحيوية إلى كافل ، وأبرزه هو في غير البالغ الذي مات عنه أبوه ، مهما شمل الأنثى البالغة المنقطعة عن أب وزوج ، وكما عنيت (فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) (١٢٧) وفي قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «تستأمر اليتيمة» وهي لا تستأمر للزواج قبل بلوغها ، بل هو بعدها حين فقدت أباها.