بإنسائهم إياه ، وإحداث أبدال له تشغل أماكنه من قلوبهم ، وتشفع مواقعه من صدورهم ، فلا يحقد بعضهم بعضا ولا يحسد على علو المنزلة فيها والبلوغ إلى مشارف رتبها ، والغل هو كل ضيق من حسد أو غبطة أو عداوة أماهيه مما يغل ويغلق مفاتح القلوب إلى أهل الجنة.
أجل ، ولأنهم ـ على أية حال ـ بشر ، يعيشون بشرا ، وقد يثور بينهم في العشرة الحيوية غيظ يكظمونه ، أو يغور غل يغالبونه فيغلبونه ولكن تبقى في صدورهم منه آثار وآصار ، أم يبقى دون كظم كضيم أم غلب هضيم ، ثم الله إكراما لهم واراحة إياهم في ساحة الجنة ينزعه عنهم وكما يروى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «الغل على أبواب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين» (١) ، (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) الحق المبين والشرع المتين ، وهدانا لنزع هذا الغل من صدورنا ، ثم لهذه الجنة (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) إلى ما اهتدينا (لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) وقد هدانا حيث (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) جاء مجيئا (٢)
__________________
(١) القرطبي في تفسيره أحكام القرآن ، وفي الدر المنثور ٣ : ٨٥ ـ أخرج ابن جرير عن أبي نضرة قال : يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقتص لبعضهم من بعض حتى يدخلوا الجنة يدخلونها ولا يطلب أحد أحدا بقلامة ظفر ظلمها إياه ، ويحبس أهل النار دون النار حتى يقتص لبعضهم من بعض فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحد أحدا بقلامة ظفر إياه.
(٢) مجمع البيان عن عاصم بن حمزة عن علي (عليه السّلام) انه ذكر أهل الجنة فقال : يحيون ويدخلون فإذا أساس بيوتهم من جندل اللؤلؤ وسرر مرفوعة وأكواب موضوعة ... ولولا أن الله تعالى قدرها لهم لا لتمعت أبصارهم لما يرون ويعانقون الأزواج ويقعدون على السرر ويقولون : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ونور الثقلين ٢ : ٣١ في أصول الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في الآية قال : إذا كان يوم القيامة دعي بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبأمير المؤمنين وبالأئمة من ولده (عليهم السّلام) فينصبون للناس فإذا رأتهم شيعتهم قالوا : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. يعني هدانا الله في ولاية أمير المؤمنين والأئمة من ولده (عليهم السّلام) ، وفيه عن الإحتجاج للطبرسي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة الغدير : معاشر الناس سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين وقولوا : الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.