من ذا الذي يقبع وراء هذه الأزياء القاحلة ، ووراء سعار التعري والتكشف ، ووراء الأفلام والصور وما أشبه ، التي تقود هذه الحملة المسعورة المسعرّة.
لقد مسخت الجاهلية المتحضرة التصورات والأذواق والفطر والعقول والقيم والأخلاق الإنسانية ، إذ جعلت العرى الحيواني تقدما ورقيا ، والستر الإنساني تأخرا ورجعية!.
(قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٣٣).
ترى «إنما حرم» هنا تحصر المحرمات كلها بهذه الخمس؟ وهناك محرمات كثيرة خارجة عنها! أم هي المحرمات الوقتية في ردح من العهد المكي ، ثم تتلوها محرمات أخرى بعدها مكية ومدنية؟.
«إنما» ولا سيما نظرا إلى «ربي» يؤكدان حصر المحرمات في هذه الخمس ، لا سيما وأن محرمات غيرها كانت مبيّنة الحرمة قبل هذه الآية ، ثم وكافة المحرمات في شرعة التوراة المفصلة فيها هي محرمة في شرعة القرآن ولم ينسخ منها حتى الآن ولا واحدة ، فتظل هي محرمة في شرعتنا ، إذا ف «إنما» لا تختص بعديد من محرمات بآيات مكية فحسب.
إنها تشمل بوجه عام كافة المحرمات حالا وقالا وأعمالا ، متجاوزة وسواها ، ف «الفواحش» هي المعاصي المتجاوزة حدها في الحرمة ، والمتجاوزة إلى غير الفاعل ، أو المتجاوزة فيهما ، ثالوث من التجاوزات الشاملة لأمهات المحرمات (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) ظهورا كأصل أم لغير الفاعل (١) ، فمما ظهر ، أن تخير غيرك بمعصية ارتكبتها خفية ، فإنه
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٨٠ ـ أخرج عبد الرحمن عن يحيى بن كثير أن رجلا قال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إني أصبت حدا فأقمه علي فجلده ثم صعد المنبر والغضب يعرق في وجهه فقال : أيها الناس إن الله حرم عليكم الفواحش ما ظهر منها وما بطن فمن أصاب منها شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يرفع إلينا من ذلك شيئا نعمة عليه.