الطغاة (إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً) في عدة وعدة تتخطفون «فكثركم» ربكم فأصبحتم تتخطفون ، فبدّلتم نعمة الله نعمة وكفرا وأحللتم أنفسكم وقومكم دار البوار. جهنم تصلونها وبئس القرار «وانظروا» أنتم ولينظر غيركم (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) في الأرض ، فاعتبروا بالمفسدين قبلكم كقوم نوح وعاد وثمود : (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ. وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ. فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٢٩ : ٣٨ ـ ٤٠) ـ (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) (٣٢ : ٢٦) (.. فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) (٤٦ : ٢٥) (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً) (٢٨ : ٥٨).
(وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ)(٨٧).
وهنا (طائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا) وهم الملأ المستكبرون ، قد حسبوا أنفسهم سادة وقادة ، فخيّل إلى المؤمنين ما يخرجهم عن الاصطبار أمامهم ، فأمروا وإياهم بالصبر ، صبرا للذين آمنوا لكي يروا وعد الله ، وصبرا للذين لم يؤمنوا حتى يروا وعيده (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) حكما هنا وآخر في الأخرى ، ولكن الطغاة ما صبروا حتى قالوا قولتهم وغالوا غولتهم الهاتكة الفاتكة :
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) (٨٨).
لقد دعاهم شعيب إلى أفضل خطة وأعد لها وهي آخر نقطة لا يملك أن يتراجع وراءها خطوة ، وهي نقطة الانتظار لعاقبة الكفر والإيمان هنا قبل الأخرى ، تريّثا وتعايشا بغير ما أذى وترك كلّ لحاله وقاله حتى يأتي مآله ،