(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧)).
لقد نلد اللعين حينما نفد جوار الرحمة ، ودخل بوار الزحمة ، فنسب غوايته إلى الله ، أم قد يعني من هذه النسبة أنه تعالى ابتلاه بما أغواه وأهواه ، وهو معترض على الله بما ابتلاه!.
(قالَ ... لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) كحارس على مدخل الصراط ، حارص على الإغواء عن الصراط ، حارث للغواة إلى حزبه ، وهذه الحراسة لعنة ورحمة ، لعنة كما يعنيه إبليس ويحققه من إضلال المتطرقين للصراط المستقيم ، ورحمة لا يعنيها وهي إخلاص الوافدين إلى الله ، أن يغدوا إليه بمطاردة اللعين ، وكافة الأهواء الحاجبة بينهم وبين الله ، إذا «فأعطاه النظرة استحقاقا للسخطة ، واستتماما للبلية ، وإنجازا للعدة فقال : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(١).
وقد تلمح «لهم» لما لم يقصده من الرحمة ، ولما قصده من الزحمة إظهارا لها بمظهر الرحمة ، حيث يزيّن لهم موقفه من «الصراط المستقيم» فإنه يزين لهم الباطل حتى يروه حقا ، وكما وعد : (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (١٥ : ٢٩) وكأن اللّعين يعني بمكره هذا وإغواءه عذرا جزاء إغواءه من الله ، رغم أن إغواءه عدل وإغواء الشيطان ظلم.
وعلى أية حال فقد كان قعوده على الصراط المستقيم لهم في ظاهر التصميم قصدا حيث يتظاهر به ، ثم هو في الصميم دون قصد ، وهو يخفي عنهم أنه قاعد الصراط المستقيم عليهم ، فلذلك قال «لهم» دون «عليهم».
__________________
(١) نهج البلاغة من الخطبة القاصعة للإمام أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) وقد أوردناها بتفسيرها في ج ١٤ ص ١٧٢ من الفرقان فراجع.