ومن أخطر ما يقعد لنا الصراط المستقيم ما يخيل إلينا في الصلاة من وجدان ما نفقده حالتها ، حيث يزين لنا التفكر فيها لما هو خارج عنها حتى نحصل على بغية لنا عزيزة فنحظو به زاعمين أن الصلاة هي مجالة صالحة للحصول على ضالاتنا المنشودة ، وكيف نعمل حتى نحصل على هذه الضالات؟ إنه يخليّ بيننا وبينها فترة مترقبة ، فيزول حجابه من هذا البين ، فيتبين لنا ما خفي عنا بحجابه هو ، فإننا نطّلع على كثير من الحقائق لو لا الحجب بيننا وبينها ، ومن أهمها حجاب الشيطان نفسه ، فبزواله ومزاولة التفكير نحصل على البعض من الحقائق المحجوبة ، فيخيّل إلينا أنّ الصلاة هي من أفضل المسارح للحصول على ضالاتنا المنشودة التي لا نحصل عليها في غيرها.
ثم و «أغويتني» ليست لتعني الإغواء البدائي دونما استحقاق ، بل هو إغواء المكر الربّاني عدلا بمكره هو ، أنه أمره على علمه أنه لا يأتمر فيهبط ، وأمره لكي يظهر كفره ، فلذلك هو يمكر عباده كما يمكرون (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).
ذلك! «فاحذروا عباد الله عدو الله أن يعديكم بدائه ، وأن يستفزكم بندائه ، وأن يجلب عليهم بخيله ورجله ، فلعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد ، وأعرق إليكم بالنزع الشديد ، ورماكم من مكان قريب فقال : رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ، قذفا بغيب بعيد ، ورجما بظن غير مصيب ، صدقه به أبناء الحمية ، وإخوان العصبية ، وفرسان الكبر والجاهلية ، حتى إذا انقادت له الجامحة منكم ، واستحكمت الطاعية من فيكم ، فنجمت الحال من السير الخفي إلى الأمر الجلي ، استفحل. سلطانه عليكم ، ودلف بجنوده نحوكم ، فأقحموكم ولجات الذل ، وأحلوكم ورطات القتل ، وأوطؤوكم إثخان الجراحة ، طعنا في عيونكم ، وحزا في حلوقكم ، ودقا لمناخركم ، وقصدا لمقاتلكم ، وسوقا بخزائم القهر إلى النار المعدة لكم ، فأصبح أعظم في دينكم حرجا ، وأورى في دنياكم قدحا ، من الذين أصبحتم لهم مناصبين ، وعليهم متألبين ، فاجعلوا عليه حدكم ، وله جدكم ، فلعمر الله لقد فخر