على أصلكم ، ووقع في حسبكم ، ودفع في نسبكم ، وأجلب بخيله عليكم ، وقصد برجله سبيلكم ، يقتنصونكم بكل مكان ، ويضربون منكم كل بنان ، لا تمتنعون بحيلة ، ولا تدفعون بعزيمة ، في حومة ذل ، وحلقة ضيق ، وعرصة موت ، وجولة بلاء ، فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبية ، وأحقاد الجاهلية ، فإنما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان ونخواته ، ونزعاته ونفثاته ، واعتمدوا وضع التذلل على رؤوسكم ، وإلقاء التعزز تحت أقدامكم ، وخلع التكبر من أعناقكم ، واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوكم إبليس وجنوده ، فإن له من كل أمة جنودا وأعوانا ، ورجلاء فرسانا ، ..» (١).
هنا (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) قد تعني الصراط المحيط بالإنسان حيث
__________________
(١) نهج البلاغة الخطبة (١٩٠) وفيه تحذيرا عن الكبر «ألا وقد أمعنتم في البغي ، وأفسدتم في الأرض ، مصارحة لله بالمناصبة ، ومبارزة للمؤمنين بالمحاربة ، فالله الله في كبر الحمية وفخر الجاهلية ، فانه ملاقح الشنآن ، ومنافخ الشيطان ، التي خدع بها الأمم الماضية ، والقرون الخالية ، حتى أعنقوا في حنادس جهالته ، ومهاوي ضلالته ، ذللا عن سياقه ، سلسا في قياده ، أمرا تشابهت القلوب فيه ، وتتابعت القرون عليه ، وكبرا تضايقت الصدور به» (١٩٠).
«ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم ، الذين تكبروا عن حسبهم ، وترفعوا فوق نسبهم ، والقوا الهجينة على ربهم ، وجاحدوا الله على ما صنع بهم ، مكابرة لقضائه ، ومغالبة لآلائه ، فإنهم قواعد أساس العصبية ، ودعائم أركان الفتنة ، وسيوف اعتزاء الجاهلية .. ولا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم ، وخلطتم بصحتكم مرضهم ، وأدخلتم في حقكم باطلهم ، وهم أساس الفسوق ، واحلاس العقوق ، اتخذهم إبليس مطايا ضلال ، وجندا بهم يصول على الناس ، وتراجمة ينطق على ألسنتهم ، استراقا لعقولكم ، ودخولا في عيونكم ، ونفثا في أسماعكم ، فجعلكم مرمى نبله ، وموطئ قدمه ، ومأخذ يده ..» (الخطبة ١٩٠).
وأستأدي الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم وعهد وصيته إليهم في الإذعان بالسجود له والخشوع لتكرمته فقال سبحانه (اسْجُدُوا لِآدَمَ) فسجدوا إلا إبليس اعترته الحمية وغلبت عليه الشقوة وتعزز بخلقه النار واستهون خلق الصلصال فأعطاه الله النظرة استحقاقا للسخطة واستتماما للبلية وإنجازا للعدة ..(الخطبة ١).