يبتلعه أو يبتلعه السالك ، دون صراط الرب المخصوص به (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١١ : ٥٦) فانما هو صراطه الذي قدره للسالكين إلى مرضاته.
إذا فإتيان السالك لصده عن سلوكه بحاجة إلى حصر مربعة الجهات ، وهي بطبيعة حال الصراط روحيا ، وأن الإضلال ليس يتوجه إلا إلى الأرواح ، ثم الجهات المحيطة بالجسم ست وليست أربعا ، فهي الجهات الروحية : صراط العلم والمعرفة به ، وصراط الإيمان ، والتصديق له ، وصراط العبودية الخالصة ، وبتعبير آخر صراطي المعرفة والعبودية فإنهما واحد حيث يشكلان الهدي إليه والزلفى دونما تفلّت أو تلفت عنه.
ف (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) بكل ما يستقبله السالك ويستقبل السالك من الآخرة والأولى وما بينهما ، من أعمال وآمال وسائر الآماد المستقبلة ، استخداما لها كلها لتضليله ، صدا عن حاضره ومستقبله من صراط الله ، ولكيلا يستقبل خيرا.
(وَمِنْ خَلْفِهِمْ) مما يستدبره السالك من دنياه بأعماله المسلوكة سلك الصراط ، هدما له وحبطا إياه ، تزيينا لقبحه وتقبيحا لصالحه.
(وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) وهي أيمان الدين حيث يأتي بنقاب القدسية الشرعية ويصد عنها ، إلى أيمان الفطر والعقول والأفكار والصدور والقلوب ، فتشل الأيمان التي هي ذرائع إلى الصراط المستقيم.
(وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) وهي شهواتهم حيث يزينها لهم فيحسبون أنهم يحسنون صنعا (١) وإلى أنفسهم الأمارة بالسوء وأعمالهم السيئة ، فالعقلية الإيمانية والشهوة الشيطانية هما من المداخل الأنفسية للشيطان ، ثم الآخرة
__________________
(١) عن مجمع البيان روي عن أبي جعفر (عليه السّلام) (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) معناه أهوّن عليهم أمر الآخرة (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) آمرهم بجمع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) بتحبيب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم.