والأولى هما من المداخل الآفاقية إلى إضلال الإنسان ، وحينئذ تنسد عليه كل منافذ الصراط المستقيم.
فقد يقعد لهم الشيطان (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) قعدة شيطانية تحلّق على هذه الجهات الأربع ، حصرا في الشهوات وحسرا عن العقليات ، والنتيجة الحاسمة : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) حيث يتلفتون إلى الشيطان ويتفلّتون عن الرحمن ، ثم يبقى أقلهم وهم المخلصون : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(٣٨ : ٨٢).
أجل ، ولأن (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) ليس طريقا حسيا ، فالجهات الأربع في قعدة الصراط ـ الإبلسية ـ كذلك ليست هي الجهات الحسية الجغرافية ـ وهي ستة ـ بل هي الجهات المعنوية التي تعني الحياة الإنسانية ، الناحية منحى الصراط المستقيم من تعمير مثلث زمان التكليف بإحكام العقلية الإنسانية وأحكامها على ضوء الفطرة والوحي ، وحصر الأهواء الطائشة وأسرها عما لا يحل.
ذلك ، وفي نظرة أوسع نرى (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) تحلقان على كافة الآيات الآفاقية ، ثم (عَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) تشملان كل الآيات الأنفسية ، ثم (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) تعم كافة الآمال والأحوال المستقبلة ، مقبولة لديك أو محتملة ، واقعة أو متخيلة ، فمنها الحياة البرزخية والحياة الأخرى حيث يأتينا منهما نكرانا لهما أم تزييفا لموقفهما حتى لا تؤثرا في صالح الأعمال.
و «من خلفهم» تشمل كل خلف للكون ، ومنها هل له من خالق؟ حيث يتفلسف ماديا لاثبات أزلية المادة ، أم في تفلسف آخر يقرر أصول الفلسفة المنحرفة كالأزلية الزمانية للعالم ، ووحدة حقيقة الوجود بين الخالق والمخلوق ، ومسانختهما لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، وغل يدي الخالق حيث الواحد لا يصدر منه إلا واحد ، وما أشبه من خلاف العقل والنص كتابا وسنة.
أم القول بالتعدد اللاهوتي ثنويا أو ثالوثيا وما أشبه من الخرافات