أجل ، فكما الصحراء والجدباء تختلفان على أثر إنزال الماء ، كذلك القلوب الطيبة والخبيثة.
هنا ، وبأحرى في الأخرى حيث تخرج ثمراتها وفقا لحالاتها وفعالاتها ولا يظلمون نقيرا ، فالهدى وبينات الآيات والعظات تنزل على القلوب كما ينزل الماء على التربة ، فالقلب الطيب كالبلد الطيب (يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) حيث يفتح ويستقبل ويزكو ويفيض بالخير ، والقلب الخبيث كالبلد الخبيث يستفلق ويقسو ويجسو ويفيض بالشر والنّكر ويخرج نكد الشوك والأذى ، (كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) بغيارها المتواتر (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) الآيات بتصريفها ، فأما الذين يكفرون ولا يشكرون فلا يزيد لهم تصريفها إلا ثفورا وكفورا : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (١٧ : ٨٢).
صحيح أن الهدف من تصريف الآيات هو التذكر بها لكافة المكلفين ، ولكن الذي ينتفع بها بالفعل هو الشاكر لله في آياته وبينانه ، دون الكافر الناكر ، اللاهي عنها ، والمستهزء بها.
فكما القرآن كأصل دلالي (هُدىً لِلنَّاسِ) ولكنه كواقع (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) كذلك الآيات المعرّفة هي كأصل تذكرة للناس ، وهي كواقع في آثارها الصالحة (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ).
وهنا بالتالي سرد لرسالات ربانية بمعاكسات لآثارها في قلوب قاسية جاسية ب :
(لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ