ثم «هود» يذكر في أربع مواضع بثلاث سور ، وقومه «عاد» في أربع وعشرين موضعا و (١٨) سورة ، وصيغة الدعوة هنا وصبغتها هي نفس الصيغة والصبغة لنوح والذين أرسلوا من بعده إلى خاتم المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) والجواب والإجابة هو نفس الإجابة والجواب ، فالرسل برسالاتهم هم سلسلة موصولة على مدار الزمن كما المرسل إليهم ، وكأنهم في الأكثرية الساحقة تواصوا في تكذيبهم (عليهم السّلام) : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (٥١ : ٥٣) ثم وقليل هؤلاء (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (٩٠ : ١٧).
هنالك في نوح (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) وهم كل الملإ ، وهنا في هود (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) فهم قسم من الملأ دون الكل ، ثم هناك في نوح : (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وهنا في هود (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) والجواب صيغة واحدة تسلب الضلالة والسفاهة عن ساحة الرسالة القدسية دون إرجاعها إلى هؤلاء الضّلّال والسفهاء ، حيث الدعوة الصالحة تتطلب تليّنا وجاذبية حتى تجد مسارح لتصديقها ومنافذ إلى تسريبها.
ذلك وعل فارق التعبير بين مواجة قوم نوح (عليه السّلام) إياه : (إِنَّا لَنَراكَ فِيضَلالٍ مُبِينٍ) وقوم هود (عليه السّلام) ب (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) علّه لأن كلّ الملأ من قوم نوح عارضوه اجتثاثا لدعوته من أصلها ، وانها (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) جمعا بين السفاهة والجنة والكذب ، ولكن قوم هود لم يعارضه منهم إلّا (الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) دون كل الملأ ، ولذلك خف التعبير هنا عما هناك حيث اكتفي فيه ب (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ).
وعاد هم قوم سكنوا أرض اليمن بالأحقاف وهي الكثبان المرتفعة على حدود اليمن ما بين اليمامة وحضر موت : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) (٤٦ : ٢١) وقد يأتي نباءهم الفصل في «الأحقاف».
وهنا زيادة لهم بذكرى قوم نوح ليذكروا : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) بما غرقوا فجعلكم خلائف من بعدهم تخلفونهم في هذه