ذلك ، فمن الخيرات ما هي بليات لمؤمن أو كافر مهما اختلفا فيه سقوطا ونجاحا ، ومنها ما هي من خلفيات الإيمان والتقوى ، فما هي إذا ابتلاءات ، ثم ومن الشرور ما هي ابتلاءات بين الخيّرين والشرّيرين ، ومنها ما هي عقوبات لأيّ منهما مهما اختلفا في حدودها.
فالبركات النازلة على أهل الإيمان والتقوى هي بركات في النفوس والنفائس ، بركات في المشاعر وكل طيبات الحياة بأسرها ، إخراجا لها عن كل أسر لها يطارد الحصر في الله ، بركات تنمي الحياة وترفعها إلى قممها المعنية منها ، فليست مجرد وفرة ظاهرة مع شقوة وترد وانحلال.
(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ)(٩٨).
هنا (أَهْلَ الْقُرى) هي الظالمة غير المؤمنة ولا التقية ، فهي الكافرة الطغية ، فلا أمن لهم إذ لا إيمان (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً) بالليل (وَهُمْ نائِمُونَ) أو (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) وضح النهار (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) كالطفولة التي لا تعني صالح الحياة الإنسانية الواقعية ، فإنما تنظر إلى ظاهر لها حاضر : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٣٠ : ٧).
وذلك هو العذاب المباغت لمن يستحقونه ، بعد ما كلّت كل المحاولات لإيقاظهم فلم يزدهم إلا فرارا.
(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ)(٩٩).
لقد مكروا الله ومكروا المؤمنين بالله بما مكروا فطرهم وعقولهم فما جزاءهم إلّا مكر الله كما مكروا جزاء وفاقا ، (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) الذين خسروا أنفسهم بما صدوا عليها منافذ الفطر والعقول وسائر الفكر ، وكأن الله لا يسطع على مكرهم كما مكروا ، أم هم لا يستحقون مكرا رغم ما مكروا ، أم وليس هناك من إله هو يرصدهم.
(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ