ومغاربها «أورثناهم» مشارق الأرض ومغاربها ، فهم أورثوا نفس الأرض التي استضعفوا فيها وهي مصر ، ولأن «الأرض» طليقة هنا من حيث الإيراث مهما كانت مختصة بمصر من حيث الاستضعاف ، إذا فمحل إيراثهم أوسع من محل استضعافهم ، ولكنها ليست كل الأرض لمكان (الَّتِي بارَكْنا فِيها) فهي الأرض المقدسة التي كتب الله لهم.
و (كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى) هي التي قالها لهم موسى ، منها : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) وقال من ذي قبل (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (٢٨ : ٦) مهما كانت الأرض هنا لأصحاب المهدي (عج) كل الأرض ، ولذلك أطلقت حتى تشملها ، فقد تمت هذه الكلمة الحسنى عليهم في إيراثهم بمصر أولا ثم في الأرض المقدسة التي كتب الله لهم ، ولكن ليست بجدارة طليقة كيفما كان عملهم ، وإنما (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) وكان عملهم الأول كفرا وكفرانا لهذه الحسنى فقابلهم الله بمثل ما عملوا :
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)(١٣٨).
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) وهو أليم الذي أغرق فيه آل فرعون إذ ضرب لهم موسى بأمر الله طريقا يبسا حيث انفلق فكان كل فرق كالطّود العظيم ، وعلى أية حال «جاوزنا ..».
(فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) إذ كانوا من المشركين الرسميين (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) وهم موحدون حسب الدعوة الموسوية ، ولكنهم منحازون إلى المادة لحد رغبوا في عبادة الأصنام (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) تفعلون جهالة عريقة عميقة بعد ما رأيتم آيات الله البينات لكم على قوم فرعون.