فحين يقول بعض اليهود لعلي أمير المؤمنين (عليه السّلام) : ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم؟ يقول له : إنما اختلفنا عنه لا فيه ، ولكنكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون! (١).
وذلك أوّل ما نظر الله كيف يعملون بعد ما تمت كلمة ربك الحسنى عليهم بما صبروا ، وإلى أمثاله المسرودة مفصلا في الذكر الحكيم بطيات آياتها.
لقد تمت مواجهة موسى آل فرعون بما أغرقوا ، فلا يواجه بعد اليوم طاغوت فرعون وملإه ، ولكنه تواجهه معركة أخرى مع أقرباءه بعد أغرباءه هي أشد منها وأقسى وأنكى منها وأشجى وأطول أمدا ، حيث يواجه بني إسرائيل برواسب الذل الذي أفسد سجيتهم من ناحية ، ورواسب الوثنية التي أفسدتها من أخرى ، وكذلك الالتواء والقسوة والضعف والجبن عن حمل التبعات مع الذعر الدائم والتوقع القائم للبلاء.
ذلك رغم أنهم في الأصل على دين التوحيد ، ولكنهم رغم ذلك كانوا قوما ماديين يعيشون أصالة الحس والمادة دون عناية إلى ما وراءها إلّا تشريفيا دون أصالة ، كهالة قدسية؟؟؟ تتبدل إلى حالة عقيدية راسخة ، وكما هو الظاهر من التوراة المحرفة حيث حرفوا لاهوت الألوهية إلى شاكلة إنسان له ما لسائر الإنسان ، ولكنه أقوى ، أم وهو أضعف أحيانا من إنسان ، كما في قصة فنوئيل حيث تقول صارعه يعقوب فصرعه فاقتضى منه بركة النبوة حتى يخلصه فتقبل فنجي.
وتراهم طلبوا إليه أن يجعل لهم إلها بديل الله هو كما الله؟ والإله المجعول لموسى ليس إلّا من خلقه واختلاقه فكيف يكون إله العالمين!.
__________________
(١) نهج البلاغة عن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السّلام) وفي تفسير البرهان عن محمد بن شهر آشوب أن رأس الجالوت قال لعلي (عليه السّلام) : لم تلبثوا بعد نبيكم إلا ثلاثين سنة حتى ضرب بعضكم وجه بعض بالسيف؟ فقال علي (عليه السّلام): وأنتم لم تجف أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.