القصد هنا هو ألوهية المعبودية تقربا بالآلهة إلى الله زلفى كما يقولها سائر المشركين : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فأجيبوا ب (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) المقاييس والموازين أن تعبدوا غير من خلقكم وفضّلكم على العالمين!.
فعملية استصلاح نفوس بني إسرائيل من ذل الطاغوت الفرعوني هي التي سيواجهها موسى (عليه السّلام) منذ الآن بعد خروجه ببني إسرائيل من مصر وتجاوزهم البحر ، وهذه النفوس البئيسة التعيسة ستواجه الحرية الحقة بكل رواسب الذلة والمسكنة ، وتواجه الرسالة بكل رواسب الجاهلية بكل خلفياتها ، بل وأنحس منها ، فإن سحرة فرعون آمنوا بعد ما رأوا آية ثعبان العصا واليد البيضاء وهم لم يؤمنوا بعد ما رأوا كل الآيات الموسوية وهي بضع عشرة آية ، اللهم إلا قليل منهم وفى لرعاية الحق.
وها هم ما أن يجاوزا البحر حتى تقع أبصارهم على قوم يعكفون على أصنام لهم ، وإذا هم يطلبون طلبهم ، ويغلبون أمام الأصنام غلبهم ، حيث يطلبون من موسى رسول التوحيد من رب العالمين أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة .. طبيعة مخلخلة العزيمة ، سريعة الهزيمة ، ضعيفة الروح ، قوية الشكيمة ، ما تكاد تهتدي حتى تضل ، وما ظلت ترتفع وتزيد حتى تنحط وتقل ، فأين الدعوة التوحيدية الموسوية قرابة عشرين سنة أم تزيد ، فقد نسوا آياته الرسولية والرسالية ، وحتى التي أنجتهم في اللحظة الأخيرة إذ جاوز بهم البحر بعد ما أغرق فرعون وملأه! ولو أنهم اتخذوا لأنفسهم إلها لكان أقل غرابة وعتامة من أن يطلبوا إلى رسول التوحيد أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة! وما كان جوابهم المختصر المحتصر عجالة إلّا (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) تجهلون كافة المعالم الإنسانية والإيمانية ، ف «تجهلون» من الجهالة ضد المعرفة ، ومن الحماقة ضد العقل ، ومن البلاهة ضد الشعور ، فما ذلك التقوّل التغوّل إلّا من أحمق الحماقة وأعمق الجهالة والبلاهة إلى غير حدود!.
ذلك وحق يقال إنهم أحمق وأعمق جهالة من آل فرعون المشركين إذ صمدوا على باطلهم ولم يهووا ولا مرة واحدة أن يوحدوا الله ، وهم أولاء