فلمّا يسأل هو الرؤية ولا تأخذه الصاعقة ثم لا يسقّه ولا ينسب إلى الظلم ، فقد يتبين من ذلك أن السؤال إن كان للرؤية البصرية فهو (عليه السّلام) محمّل عليه منهم فيسألها ربه بعد إذنه تعالى إتماما للحجة وإنارة للمحجة.
والقول إن : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) دون «أرهم ينظروا إليك» يرد ذلك التحميل ، يردّ بأنه جائز على هامش قصده الأصيل من الرؤية القمة ، وأنه جمع في ذلك السؤال بين أمرين ثانيهما ما تطلبوه ولكنه خص نفسه ليظهر لهم أن استحالة رؤيتهم أحرى بعد استحالة رؤيته ، فقد قدم نفسه فيما حمّل تثبيتا للسلبية الأخرى لهم في حقل الرؤية البصرية ، والقول بأنه كان عليه ـ إذا ـ كرسول أن يوضّح لهم بطلان سؤالهم؟ مردود بأنه أبطله طول رسالته وهنا القصد إلى إبطاله عمليا حين تبطل رؤيته هو ربّه على محتده الرسالي!.
ثم الأظهر الأخفى أن الرؤية المسؤولة هي قمة المعرفة الممكنة بالله ، اللائقة لأول العارفين والعابدين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث إن تجليه تعالى «للجبل» لا «في الجبل» دليل تجلي القدرة الربانية التي لا يتحملها الجبل إلّا أن يندك ، ولا بد للمثال أن يشابه الممثل في
__________________
ـ رجعت إليهم وقالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت في مناجاة الله عزّ وجلّ إياك ، فأحياهم وبعثهم معه فقالوا إنك لو سألت الله أن يريك ننظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو ونعرفه حق معرفته؟ فقال موسى (عليه السّلام) : يا قوم ان الله تعالى لا يرى بالأبصار ولا كيفية له ، وأنما يعرف بآياته ويكلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى (عليه السّلام) يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى سلني ما سألوك فلن آخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى (عليه السّلام) : رب أرني انظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه «وهو يهوي» فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل «بآية من آياته» جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) منهم بأنك لا ترى ، فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن.