فيها ذروة من اليقين لحد يصح التعبير عنها بأنها رؤية ف «اعبد ربك كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» فالرؤية الأولى هي محسوب بحساب الرؤية المعرفية البالغة ولها درجات أعلاها الرؤية المحمدية إذ (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) (٥٣ : ١٤)(١).
فالحجاب عن الرب الممكن خرقه هو حجاب المعرفة برين القلوب : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ. كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (٨٣ : ١٥) فتلك إذا هي رؤية القلب المحجوب برينه.
ذلك ، وموسى الرسول الذي لا تصعقه الآيات الكبرى الربانية إلّا خوفا مّا لأول وهلة ، انقلبت عصاه حية تسعى ، هذا الرسول يصعقه اندكاك الجبل بما تجلى له ربه ، حيث كانت سائر الآيات تجلّيات مستطاعة لما تجلى له مهما كانت خارقة العادة ، وهذه غير مستطاعة للجبل بذلك التجلي فوق الطاقة له.
هذا ، ويعاكس نصّ القرآن في استحالة الرؤية المطلوبة نصّ التوراة في واقعها كما في سفر الخروج ٢٣ : ٩ ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل. ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة ولكنه لم يمدّ يده إلى أشراف بني إسرائيل فرأوا الله وأكلوا وشربوا!.
وحصيلة البحث في حقل الرؤية أنها ـ على أية حال ـ هي الوصول إلى المرئي بعين اليقين فوق علمه ، ثم وحق اليقين بمراتبها ، فإن كانت بالبصر فكما تناسبه ، وإن كانت بالبصيرة فكما تناسبها ، والرؤية الحيطة المعرفية بالله مستحيلة على من سوى الله في كافة النشآت إذ لا يحيط المحدود باللّامحدود ، والمعرفة القمة العليا التي لا تساوى ولا تسامى هي
__________________
(١) المصدر.