بكيان الألوهية ، فالذي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ف (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) كيف بالإمكان أنى يري نفسه للأبصار ، إلا بتحويل الإله المجرد عن كيانه إلى كيان خلقه ، أم تحويل خلقه إلى كيانه لتتسنى الرؤية بتلك المماثلة.
وحين لا تحس أية حاسة أيّ محسوس إلّا ما يساميه أو يساويه في حقل الإحساس ، فلا يحس الطعم باللّامسة ولا يلمس بالباصرة ولا يبصر بالسامعة ، ولا يسمع بالباصرة ، فكيف يرجى أن يحس أو يمس أو يجس غير المحسوس بأحد من الحواس الخمس ، في أيّ من عوالم الوجود.
ولأن المستحيل ذاتيا لا تتعلق به القدرة فلا يمكن أن يري الله نفسه رؤية البصر ، اللهم إلا رؤية البصيرة المستطاعة لمن يبصر.
فرؤية الرب منها مستحيلة ذاتية هي بإبصار ذاته تعالى حيطة ببصر أم بصيرة ، إدراكا إياه ، إذ (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) ، أم نسبية هي البصيرة معرفة بالقلب ، بمرتبة هي أعلى من محتد الرائي ، كما المعرفة القمة لموسى (عليه السّلام) ، أم ممكنة مأمور بها وهي سائر درجات المعرفة الربانية لسائر الخلق أجمعين ، فعلى كلّ قدر مستطاعه من معرفة الله وعبوديته و (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).
فمثل (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٧٥ : ٢٣) موجهة إلى وجوه القلوب ، وكما تؤيده (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) حيث الظن هو من أفعال القلوب.
فمهما يكن من شيء هنا ، من أقصى دلالة النص ، أن موسى تطلّب الرؤية وهي بين مثلثها ، فلتفسر بمحكمات ك (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) وبجنبها محكمات أدلة العقول والفطر ، التي تحيل الرؤية بالبصر ، ثم رؤية المعرفة المستطاعة بحول العارف وقوته لا تحتاج إلى «أرني» كما وأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) (رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) دون تطلب لها : «أرني» فلم تبق إلا الرؤية فوق المستطاعة ، الممكنة في ذاتها وهي المعرفة القمة ، وبجنبها نقل لتطلّب قومه بما أذن الله.
ذلك ، وليست الرؤية المعرفية تعني كل درجة منها ، وإنما البالغ