(٤ : ١٥٣) وذلك رغم أن التجلي كان للجبل دونه (فَلَمَّا أَفاقَ) عن صعقته ، والإفاقة ليست إلا عن الغشوة والخروج عن الوعي دون الموت ، فمهما استعملت الصعقة أحيانا في الموت ولكنها هنا الغشية دون الموت وكما قال : لو شئت أهلكتهم وإياي ، (قالَ سُبْحانَكَ) أن ترى بعين البصر ، أم أن ترى بعين البصيرة فوق ما أتحمل (تُبْتُ إِلَيْكَ) عما سألت (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بك أنك لا ترى.
وهذه الأوّلية ليست زمنية ، بل هي في المكانة الإيمانية ـ ولأقل تقدير ـ بالنسبة لمن يعيشهم ، ثم ومن قبله دون من بعده ، إذ إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) هو (أَوَّلُ الْعابِدِينَ) على الإطلاق ، ولو كان موسى أوّل المؤمنين في مثلث الزمان لكان يريه ربه نفسه في حقل المعرفة القمة وأحرى من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكن أين موسى (عليه السّلام) من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الرسول إلى الرسل أجمعين.
فالله تعالى يتجلى بقدرته لخلقه قدر ما يتحملون ، فإن تجلى فوقه فدكّا دكّا ، كما يتجلى بآياته وكما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى وهو بالمنظر الأعلى» (١) : منظر البصر ـ فهو أعلى من أن ينظر إليه على الإطلاق ـ ومنظر البصيرة الأعلى وهو المعرفة القمة العليا الخاصة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (٢).
أجل ، إن الله متجل لخلقه قدر المقدور لهم والمقدر لباقة ولياقة في مسالك المعرفة ، ثم التجلي القمة خاصة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وذويه من بعده.
ذلك ، فسؤال الرؤية البصرية لذات الله ليس إلّا من أجهل المجاهيل
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٢٣١ روي عن ابن عباس.
(٢) التوحيد عن الإمام الصادق (عليه السّلام).