فالهرطقات الغائلة القائلة أن «وعده الله أن يقعد في موضع ليراه» (١) وما أشبه ، هي مضروبة عرض الحائط لمضادتها نصوص الكتاب ودليل العقل والفطرة.
(وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) جبل الطور وهو مهبط الوحي ومحطه (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) بتجلي الرب له في قدرة وقوة لا يتحملها (فَسَوْفَ تَرانِي) في تجلي المعرفة القمة التي لا تتحملها وهنا «سوف» في معاكسة الأمر تسلب تلك الرؤية في طليق المستقبل في الأولى والأخرى وإلا كان الصحيح «فستراني» أو «تراني».
(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) ما لا يتحمل (جَعَلَهُ دَكًّا)(٢) لا يستقر مكانه حيث تمزق وتفرق أيادي سبا ، وبالنتيجة (وَخَرَّ مُوسى) من تلك الوقعة القارعة «صعقا» إذ خرّ مغشيا عليه ولم يمت إذ ليست الصعقة هي الموت ثم هو الذي قال لما أخذتهم الرجفة (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ)
__________________
(١) كما في نور الثقلين ٢ : ٦٣ عن تفسير العياشي عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول : إن موسى بن عمران (عليه السّلام) لما سأل ربه النظر إليه وعده الله أن يقعد في موضع ثم أمر الملائكة أن تمر عليه موكبا موكبا بالبرق والرعد والريح والصواعق فكلما مر به موكب من المواكب ارتعدت فرائضه فيرفع رأسه فيسأل : أفيكم ربي؟ فيجاب : هو آت وقد سألت عظيما يا بن عمران.
(٢) نور الثقلين ٢ : ٦٦ عن كتاب التوحيد حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول فيه ـ وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات ـ وسأل موسى (عليه السّلام) وجرى على لسانه من حمد الله عزّ وجلّ : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فكانت مسألته تلك أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما فعوقب فقال الله تبارك وتعالى : لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة ولكن ان أردت أن تراني في الدنيا فانظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني ، فأبدى الله سبحانه بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى صعقا ثم أحياه الله وبعثه فقال (عليه السّلام): (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) يعني أول من آمن بك منهم أنه لن يراك ، أقول : هذا الحديث مخدوش في مواضيع عدة منها «فعوقب» كأنه سأل الرؤية البصرية ، فلو سألها وكان عصيانا فكيف وعده أن يراه في الآخرة؟.