(وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) غضبان أسفا من خلفية هذه الخلافة (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) (قالَ يَا بْنَ أُمَّ (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (٢٠ : ٩٤).
(قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) بكثرتهم وقلتي (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) لما ذا أمنعهم ولا أتبعهم فيما ضلوا وظلوا عليه عاكفين (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) الذين (اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) أن يرونني مذلّلا بين يديك (وَلا تَجْعَلْنِي) في ذلك التأنيب الشديد (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
هنا «ابن أمّ» وقد كانت «أماه» لمكان الفتح ، وليستجيش في نفس موسى الغضبان الأسف عاطفة الأخوة الرحيمة من ناحية الأم الحنونة ـ مهما كان هناك والد (١) واحد أم اثنان (٢) فهذا النداء الرقيق الرفيق ، وتلك الوشيجة الرحيمة الحميمة يريد التخفيف عن هياجه واندفاعه أمام ذلك الواقع الجلل المرير.
فلقد تهدرت أعصاب موسى (عليه السّلام) بهذه الجيئة الفجيعة إذ
__________________
(١) في خطبة الوسيلة لعلي (عليه السّلام): كان هارون أخاه لأبيه وأمه.
(٢) نور الثقلين ٢ : ٧٢ في العلل باسناده إلى علي بن سالم أخبرني عن هارون لم قال لموسى : يا ابن أم ..؟ ولم يقل : يا ابن أبي؟ فقال (عليه السّلام) : ان العداوات بين الأخوة أكثرها يكون إذا كانوا بني علات ومتى كانوا بني أم قلت العداوة بينهم إلّا أن ينزغ الشيطان بينهم فيطيعوه فقال هارون لأخيه موسى (عليهما السّلام) يا أخي الذي ولدته أمي ولم تلدني غير أمه لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ولم يقل يا ابن أبي لأن بني الأب إذا كانت أمهاتهم شتى لم تستبعد العداوة بينهم إلا من عصمة الله منهم وإنما تستبعد العداوة بين بني أم واحدة ، قال قلت له : فلم أخذ برأس أخيه يجره إليه وبلحيته ولم يكن في اتخاذهم العجل وعبادته له ذنب؟ فقال : إنما فعل ذلك به لأنه لم يفارقهم لما فعلوا ذلك ولم يلحق بموسى وكان إذا فارقهم ينزل بهم العذاب ألا ترى أنه قال لهارون : (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) قال هارون : لو فعلت ذلك لتفرقوا (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي).