رأى تهدرت كل دعواته الرسالية في قومه ، فلم يتمالك نفسه ، إلّا أن يفعل ما فعل ، وهو قضية الموقف المحتار ، وعلّه هكذا فعل بأخيه المختار من باب إياك أعني واسمعي يا جار ، أنه إذا كان دوره مع خليفته المعصوم العزيز الحفيظ هكذا ، فما هو دوره ـ إذا ـ مع هؤلاء الذين ضلوا واستضعفوه وكادوا يقتلونه ، تعبيدا لجو التأنيب الشديد بهم وأمرهم الإمر أن «اقتلوا أنفسكم ..».
ذلك ، وليعلموا أن شرعة العدل لا تعرف قرابة وآصرة إلّا قرابة الإيمان وآصرته ، وحين يؤنّب أخاه البريء هكذا فما ذا هو فاعل بهم وهم خونة مجرمون؟.
ذلك وقد يعني من أخذه رأس أخيه يجره إليه معذلك التخفيف عن غضب أخيه والتحبب إليه ، ولذا (يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) دون أن «يبعده عنه» فلذلك الجر معنيان اثنان ، تأنيب من باب «إياك أعني واسمعي يا جاره» وتجيب أنه ـ فقط ـ «إليه» في هذه المعركة الصاخبة ، فقد هدّموا بعبادتهم العجل الثقلين ، وعلّ من غايات ذلك الإلقاء والأخذ هو بيان ذلك التهدير الحذير.
وقد يضرب الإنسان على وجهه نفسه ورأسه ويعض على يديه عند الغضب والأسف وليس له ذنب فيما حصل ، وهكذا فعل موسى بأخيه اعتبارا له أنه نفسه تحسرا وغضبا على ما حصل ، ولكنه على أية حال لا يخلو من تأنيب بهارون كما يعرف من جوابه.
ذلك وقد يوجه ما فعل موسى (عليه السّلام) بالثقلين : الألواح وأخيه ، بأنه رأى أنهما ألغيا في رأس الزاوية لهما وهو التوحيد ، فألقاهما تأشيرا أنهم ألغوهما ، ثم أخذ الألواح واستغفر لنفسه ولأخيه إعادة لكيانهما استمرارا للدعوة التوحيدية في قومه (١)
ذلك ، وهذه المواجهة المرة في ظاهر الحال مع هارون
__________________
(١) تجد التفصيل على ضوء الآيات في طه من الفرقان ١٦ : ١٧٣ ـ ١٧٨.