(عليه السّلام) كانت : ١ أن ملكه الغضب إذ رأى أن رسالته كلّها تهدرت في تلك الفترة الفتيرة القصيرة وفيهم هارون أخوه وخليفته! ٢ وأن هذه بعناية قاصدة بإياك أعني واسمعي يا جاره لكي يعلم بنو إسرائيل ماذا عليهم من عقوبات بفعلتهم القاصدة الحمقاء العاندة ، حين يواجه هارون بتلك المواجهة المرة وكما يخاطب الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بخطابات قاسية تعني ما تعنيه ك : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) وما أشبه ، والمقصود غيره ، والزاوية الثانية ـ وهي غير معنية ـ أنه هتك أخاه كأنه قصّر فيما حمّل من خلافته الرسالية ، فأعذر نفسه من هذه الزاوية ، لكي يعلموا أنه ليس هو المقصود بالمهانة.
ذلك ، وعلى أية حال ، كما ملكت النبوة موسى (عليه السّلام) بكل كيانه وشراشر كونه ، كذلك يملكه الغضب حين يرى نبوته ودعوته الطائلة ساقطة بين يديه من هؤلاء الذين عبدوا العجل ، إذا فحق له أن يلقي الألواح ـ دون إلغاء ـ وإنما إلقاء لقاء ما رأى نبهة لهم أنكم القيتموها إلغاء ، وحق له أن يأخذ برأس أخيه يجره إليه ـ دون أن يبعده عنه ـ حين لا يرى حاصلا صالحا لكونه فيهم حيث استضعفوه وكادوا يقتلونه.
وحق لهارون أيضا أن يدافع عن نفسه تبيينا لموقفه المرير أمام ذلك الواقع الشرير.
ولما أعذر هارون نفسه من هذه المزرئة المضلّلة : (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) فلم يكن لي عليهم من سلطان حتى أمنعهم عما ضلوا ، بل قد أبلغت خلافتي الرسالية لمنتهاها ، وحتى (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) ، عذره موسى ودعا له ولنفسه (١).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٧١ في تفسير العياشي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : ان الله تبارك وتعالى لما أخبر موسى (عليه السّلام) أن قومه اتخذوا عجلا له خوار فلم يقع منه موقع العيان فلما رآهم اشتد غضبه فألقى الألواح من يده وللرؤية فضل على الخبر.