زحمة كأصل حيث الوحدة هي الرحمة (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (١١ : ١١٩) ثم هو رحمة في غير أصل حين لا تعايش سلميا بين مختلف الأسباط ، وهكذا كانوا مختلفين لا يتعايشون فقطعهم الله حتى يتخلصوا عن أعباء الخلافات ، قطعناهم لحد (أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ ..) وكما (بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (٥ : ١٢).
ذلك ، وسائر مواضيع الآية مفسّرة مفصّلة على ضوء آيات البقرة اللهم إلّا (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) وكما في البقرة (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٥٧).
وهذه حقيقة هي حقيقة بالاتباع أن الله لا يظلم كما لا يظلم حيث الظلم هو الانتقاص ولا ينتقص من ربنا في واقع كيانه بشيء وكل شيء غيره قابل للانتقاص.
ولقد ظلمت هذه الآية فيما ظلمت أى أخرى من القرآن بما اختلقت من رواية تروى لقلة الفهم وسوء التفهم أنها نزلت (وَما ظَلَمْناهُمْ ..)(١).
__________________
(١) نور الثقلين (٢ : ٨٧) في أصول الكافي عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) في الآية قال : ان الله أعز وأمنع من أن يظلم وان ينسب نفسه إلى الظلم ولكن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته ثم أنزل بذلك قرآنا على نبيه فقال : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) قلت : هذا تنزيل؟ قال : نعم ، وفيه مثله عن أبي جعفر (عليهما السّلام) ، وفيه ما يعارضهما عن الإحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) حديث طويل : وأما قوله (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فهو تبارك اسمه أجلّ وأعزّ من أن يظلم ولكنه قرن أمناءه على خلقه بنفسه وهو عرّف الخليقة جلالة قدرهم عنده وان ظلمهم ظلمه بقوله : (وَما ظَلَمُونا) ببغضهم أولياءنا ومعونة أعدائهم عليهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) إذ حرموها الجنة وأوجبوا عليها دخول النار. أقول : وفي خلط أولياءه بنفسه خلط لا يناسب شرعة التوحيد!.