مجرد الملكية ، بل والسلطة الملكية ، أن تكونا قادة في الجنة.
ثم وللملكية ميّزة عدم زحام النفس مع العقل إضافة إلى الخلود فقد يعني ب (أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) زيادة هاتين الميّزتين إلى ميزة الإنسانية.
ومهما يكن من شيء فظاهر الغرور الذي مدهما إلى عصيان هو ثالث ثلاثة ، فإن ساحة آدم (عليه السّلام) بريئة عن تصديق الشيطان في تكذيب الرحمن ، فإن في تصديقه الأوّل والثاني تكذيبا لله حيث نهى وهدّد ، بخلاف الخلود عصيانا فغواية وزلة وضلالة وشقاء وعناء ، فلذلك :
(وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(٢١).
ولو كان لهذين الغرورين تأثير لما كان بحاجة إلى المقاسمة ، إذ لا مجال لها إلّا عند فقدان البرهان ، فلم يكن ـ إذا ـ في هذين برهان يقنعهما بغروره إياهما ، مهما كان لهما تأثير ما لذلك المد المديد المنتهي دوره فيها بما قاسمهما.
هنا «قاسمهما» مفاعلة ، دون «أقسم لهما» فعلا ، دليل تعاطي الإقسام بينه وبينهما ، بادئا منه كما هي قضية المفاعلة.
فقد بدء بالإقسام بالله لهما (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) فطلبا منه مؤكّد الإقسام ، فخيّل إليهما ـ بعد تمام المقاسمة بشروطها المرضية ـ كأن الله نسخ ما نهى إذ لم يكونا يظنان أن أحدا من خلق الله يقسم بالله كاذبا ، ولكن كان عليهما ألّا يصدقا الشيطان الذي استكبر على الله في تركه السجود له ، وكما الله عرّفه إيّاه مرارا وتكرارا (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) وكيف يعتمد على قيلة النسخ بغيلة الشيطان وهو عدوّ لله وعدو له ، وبالمآل (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (٢٠ : ١٢٣).
وقد يبقى هنا أن نتساءل جدنا الأوّل ، هب إنك ما غرّك (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) فكيف غرك بعد (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)؟ فهل اعتبرت عصيان ربك نصيحة من الشيطان فالله نهاك ـ إذا ـ بخلاف النصح؟ وذلك كفر قاطع!.