في حقل المعرفة.
وليس من البعيد خفاء عورات الجسم عمن هو في بداية خلقه ولمّا يفتش عن جسمه وهو موارى بلباس الجنة الذي لا داعي لأهلها أن ينزعه ليكشف ما تحته المجهول لديه ، أم والمجهول أن تحته عورات ، حيث انشغلا بنعيم الجنة وجوار الرب والرحمة عما سواه ، حتى شغلهما الشيطان بما وسوس لهما وقاسمهما (لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما).
وووري مجهول وارى ، فقد فاعلت رحمة الله واتجاههما إلى نعيم الجنة في ستر عوراتهما فلم يفتشا عنها.
«وقال» في وسوسته لهما (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) لأن فيها مضرة بكما ، أو معرّة عليكما (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) بذوقها تحولا بها عن الحالة البشرية إلى حالة الملكية (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) فيها.
وترى هذا (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) مادّة هي مادة لهما تمدّهما إلى ذلك الغرور من الغرور؟ فكيف مدهما إليه (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) وآدم هو فوق الملائكة إذ أسجدهم الله له ، وعرفه كما عرفهم بتلك الفضيلة الكبرى وقمة المنزلة؟.
علّهما لم ينغرّا إلّا بالغرور الثاني ، أم ـ فقط ـ بغرور المقاسمة بين ثالوثه كما تلمح له (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) بعد «وقاسمهما» أم ـ لو انغرا بغرور (أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) فذلك لأن الملك خالد في الجنة مهما كان له تردد إليها في ذلك الخلود ، فمادة الغرور الأول هي «الخلود» سواء أكان ب (أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) أو بأن (تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) غير ملكين.
وبوجه آخر إن «ملكين» هنا مضمّنة معنى الملك إلى الملكية ، وقد يدل عليه (قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) (٢٠ : ١٢٠).
ف (شَجَرَةِ الْخُلْدِ) عبارة أخرى عن (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) ف (مُلْكٍ لا يَبْلى) عبارة عن (أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) فلم يكن القصد ـ إذا ـ