ولكن ذلك الخروج بالأمرين كان بعد فترة الابتلاء لآدم وزوجه وكما فصلناه في آية البقرة :
(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)(١٩).
وهذا السكون والسكن المسموح بصيغة الأمر هو دوامته ما قاما بشرطها أن : لا تقربا هذه الشجرة فتكونا ـ إذا ـ من الظالمين شرعة الله ، والظالمين أنفسكما ، وقد مضى القول الفصل في البقرة أنه نهي باتّ تشريعي كان اقترافه ظلما وعصيانا وغواية وشقوة وضلالة وزلة وما أشبه ، المسرودة بطيات آياتها.
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ)(٢٠).
(فَوَسْوَسَ ... لِيُبْدِيَ) كغاية من غاياته الشيطانية المحلّقة على كل شيطناته المعنيّة من تلك الوسوسة ، و «لهما» هنا كما (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) تعني ظاهرة النفع في وسوسته وكما قال : «ما نهاكما ..».
وترى ما هي «سوآتهما» الموارى عنهما قبل الوسوسة البادية؟ إنها عوراتهما المواراة بلباس هذه الجنة ـ منذ خلقا ـ حيث هما بعد ظهورها بنزع لباس الجنة (طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)(٢٤) أم وسوآت أرواحهما إضافة إلى هذه السوآت وهي أحرى بهذا الكيد اللعين حيث عرفا أنهما عاصيان ربهما بعد ما خيّل إليهما العصمة بما أسجد الله له ملائكته وكرمه عليهم ، ولكن ورق الجنة لا يخصف سوآت الروح ، اللهم إلّا أن بوسع ورق الجنة بمطلق سترها عن عورات!.
وليست من هذه السوآت عدم معرفة الحسن والقبيح لمكان المناهي المؤكدة المشددة عن هذه الشجرة ، ولا موقع لها إلّا للعارف الحسن والقبيح ، فتفسير السوآت بهذه المعرفة أمّا يشملها هي من سوآت التفسير