دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله تعالى فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوه أن يستر عوراتكم ويؤمن من روعاتكم» (١).
ذلك ، فالموحد الصالح ليس يخشى أحدا إلّا الله ، فإن أزمة الأمور طرا بيده ، والكل مستمدة من مدده.
فحين يقوم طاقاته المستطاعة في سبيل الله ، حصولا على مرضاة الله ، فلا عليه أن يخاف أية عراقيل في هذه السبيل ، وهو يعلم بيقين (إِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ.)
فالمشيئة الطليقة الربانية هي التي تدبر أمورنا كما يصلح حين نصلح له ونصلح ، حيث (يُصِيبُ بِهِ) : بضرّ أو بخير (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ولكنه ليس فوضى جزاف ، وإنما حسب المساعي والفاعليات والقابليات وما يراه الله ـ مع كل ذلك ـ صالحا شخصيا أم جماعيا لعباده (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فليس ليصيب عبادا له بضرّ ، إلّا فيما يستحقونه ولا حول عنه في قسطاس العدل والحكمة الربانية ، إذ سبقت رحمته غضبه ، فما دام للرحمة مجالة فلا مجال لغضبه ، اللهم إلّا إذا استأصلت مجالات رحمته فغضب على سبيل الحكمة الحكيمة ، والعدالة الرحيمة.
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)(١٠٨).
(قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُ) الحقيق مجيئه من ربكم ، وهو الحق كله رسولا وقرآنا وسنة (مِنْ رَبِّكُمْ) فما أبقى ربكم حقا يحق أن يقوله لكم إلى يوم الدين إلّا وهو قائله في هذا الكتاب المبين ، (فَمَنِ اهْتَدى) بذلك الحق (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) حيث لا ينفع اهتداءه لا الحق ولا صاحب الحق مرسلا ورسولا فضلا عن الله ، (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) إذ لا يضر بضلاله الحق وصاحبه (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) في هداكم وضلالكم على
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣١٨ ـ أخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ..