أية حال ، إنما أنا رسول تقرّر موقفي :
(وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ)(١٠٩).
فلا إتباع لك رسولا إلّا (ما يُوحى إِلَيْكَ) من ربك ، دون سائر الوحي من عقلك أم عقول الآخرين (وَاصْبِرْ) في بلاغ رسالتك دونما انقطاع (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) بما يحكم هنا وفي الأخرى (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ).
ولقد صبر صاحب الرسالة العظمى على أعباءها حتى عجز الصبر من صبره ، وحقا يقال في حقه :
سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري |
|
وأصبر حتى يحكم الله في أمري |
سأصبر حتى يعلم الصبر أنني |
|
صبرت على شيء أمرّ من الصبر |
وهكذا نجد كيان هذه الرسالة السامية المنقطعة النظير بين كل بشير ونظير ، قد بلغت القمة في التربوية والتربية الربانية ، غير متأثرة من خماسية العوامل التربوية البشرية المحمّلة مصلحيا على الإنسان أيا كان وإيان ، فحقل التربية الأبوية والأمية ، والمدرسية ، والمحيط الذي يعيشه ، والتراث الذي يصنعه ، هذه العوامل لها تأثيرات هامة في بناية الشخصية الإنسانية خيّرة أو شريرة.
ذلك ولا بد للرسالة الربانية أن يحملها صنيع الرب ، ولكي يحلق على كافة الشكليات التربوية الناقصة البائسة غيارا لها ، وكذلك الشكليات الكاملة شيئا مّا ليرتقي بها إلى مراقي الكلمات المعنية من الإنسان ربانيا.
فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتبع إلّا وحي ربه منذ ولادة حتى ارتحاله ، مهما كانت درجات الوحي متفاضلة ، فهو صنيع الله قبل ولادة في أصلاب آباءه وأرحام أمهاته ، ثم وهو صنيعه حين ولادة إلى شبابه وإلى كهولته لحد الأربعين ، ومن هنا بزوغ القمة الرسالية المعنية بالوحي الأخير ليصبح رسولا إلى الناس أجمعين ، دون تأثير من المحيطات التربوية البشرية التي هي بين خاطئة وناقصة.