أجل ، فلقد (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) بكل معاني الإحكام الحكيمة المناسبة للتفصيل الفضيل ، فجاءت قوية البناء ، دقيقة الدلالة ، ظاهرة المدلول ، كل كلمة فيها ، وكل إعرابة ونقطة ، وكل ترتيبة وتركيبة ، هي فيها مقصودة ، وكل إيماءة وإشارة لمّاعة ذات هدف ، متناسقة منسّقة بإحكام التوحيد الذي يربط بين تفاصيلها ، والتفصيل الوحيد الذي لا يمكن إلّا (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) وذلك الإحكام بذلك التفصيل يعنيان : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ...).
ذلك ، وإذا عني من «كتاب» هنا كتاب التوحيد ـ بوجهه الخاص أم والعام المحلّق على القرآن كله ـ فقد أحكمت آياته في أم الكتاب قبل كل كتاب ، ثم في الفطر والعقول ، ثم في كتابات الوحي وسائر الآيات الآفاقية ، وكل مرحلة تالية تفصيلة لما قبلها ، وكلّ هذه التفاصيل والإحكامات هي (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) فبحكمته وخبرته كتب كتاب التوحيد بيده القدرة والرحمة الشاملة في الفطر وفي العقول ، وفي سائر الآفاق سواء أكانت كتابات الوحي أم سواها ، والأول والأخير كتابان معصومان ، وعلى العقول التي هي وسيطة بين كتاب الفطرة والشرعة وسائر الكتب الآفاقية ، أن تتدبر وتجيد النظر لتأخذه من الكتابين المعصومين خير أخذة.
هذا ، وخالص التوحيد ينعكس على كافة العقائد والأعمال دون إبقاء ، فإن صالح الإنسان في كل أقواله وأحواله وأعماله ، يتوحد في التوحيد الحق المطلق ، دون انزواء في زاوية العقيدة ، ثم لا خبر عنه في سائر الحالات والمجالات والجلوات.
إذا فكتابات الوحي ، ولا سيما القرآن العظيم ، هي بصورة محكمة حكيمة ليست إلّا كتابات التوحيد ، المتجلي في كافة الخلوات والجلوات ، بحيث تصنع من تاليها حقا كلمة «لا إله إلا الله» :
ذلك ، ومن حصائل التوحيد الحق حق العقيدة لليوم الآخر كما تتكفلها : «إليه مرجعكم جميعا وهو على كل شيء قدير» وكذلك الأمر