بعمل الآخرة ، فيا ويلاه أن تعمل عمل الآخرة للدنيا فإنه نفاق وهو أنحس من الكفر وأضل سبيلا.
وهنا (الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) قد تكون مستقلة مستغلة بعمل الدنيا أو الآخرة (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) ، أم مشتركة بينهما أن يعمل لهما ، أم هو خارج عن الإخلاص في أعماله للأخرى فأدنى عذابا إذ لا يسوّى بمن هو ملحد في أعماله (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (٦ : ١٣٢) (١) والمعني من حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن العمل الذي ليس إلّا للحياة الدنيا وزينتها هو حابط باطل في الأخرى وليس يعني أن بعض الأعمال الطالحة يحبط سائر الأعمال الصالحة (٢) وإنما لكلّ عمل أجره قدر قدره للآخرة ، (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) فإن كان سعيه للدنيا فله ما سعى فيها ، وإن كان
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٢٣ ـ أخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : أوّل من يدعى يوم القيامة رجل جمع القرآن يقول الله تعالى له : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ فيقول : بلى ، فيقول فما ذا عملت فيما علمتك فيقول يا رب كنت أقوم به الليل والنهار فيقول الله له : كذبت وتقول الملائكة كذبت بل أردت أن يقال : فلان قارى فقد قيل. اذهب ليس لك اليوم عندنا شيء ثم يدعى صاحب المال فيقول عبدي : ألم أنعم عليك ألم أوسع عليك؟ فيقول : بلى يا رب ، فيقول : فما ذا عملت فيما آتيتك؟ فيقول : يا رب كنت أصل الأرحام وأتصدق وأفعل فيقول الله له : كذبت بل أردت أن يقال : فلان جواد فقد قيل ذلك اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء ، ويدعى المقتول فيقول الله له : عبدي فيم قتلت؟ فيقول : يا رب فيك وفي سبيلك فيقول الله له : كذبت وتقول الملائكة : كذبت بل أردت أن يقال : فلان جريء فقد قيل ذلك ، اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أولئك شر خلق الله يسعر بهم النار يوم القيامة.
وفي نور الثقلين ٢ : ٣٤٤ عن تفسير القمي في الآية قال : من عمل الخير على أن يعطيه الله ثوابه في الدنيا أعطاه الله ثوابه في الدنيا وكان له في الآخرة النار ، وعن المجمع في الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : بشر أمتي بالسناء والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عملا للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب»
أقول : يعني من هذا العمل ، وأما العمل الذي يعمله للآخرة فله فيها منه نصيب.