الملائكة ، وتنزلت عليهم السكينة ، وفتحت لهم أبواب السماء ، وأعدت لهم مقاعد الكرامات ، في معقد اطّلع الله عليهم فيه ، فرضي سعيهم ، وحمد مقامهم ، يتنسّمون بدعائه روح التجاوز ، رهائن فاقة إلى فضله ، وأسارى ذلة لعظمته ، جرح طول الأسى قلوبهم ، وطول البكاء عيونهم ، لكل باب رغبة إلى الله منهم يد قارعة ، يسألون من لا تضيق لديه المنادح ، ولا يخيب عليه الراغبون ، فحاسب نفسك بنفسك فإن غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك» (٢٢٠).
ذلك ، ومن قضايا الإخبات إلى الرب ألا تحب الإطراء لنفسك ، فحين يسمع إمام المتقين وأمير المؤمنين (عليه السلام) من يكثر الثناء عليه ذاكرا سمعه له وطاعته يقول (عليه السلام):
«إن من حق من عظم جلال الله في نفسه ، وجل موضعه من قلبه ، أن تصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه ، وإن من أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ، ولطف إحسانه إليه ، فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلّا ازداد حق الله عليه عظما ـ
وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حبّ الفخر ، ويوضع أمرهم على الكبر ، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء ، واستماع الثناء ، ولست بحمد الله كذلك ، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء ، وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء ، فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أداءها ، وفرائض لا بد من إمضاءها ـ
فلا تكلموني بما تكلّم به الجبابرة ، ولا تتحفظوا مني بما يتحفّظ به عند أهل البادرة ، ولا تخالطوني بالمصانعة ، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام لنفسي ، فإنه من استثقل الحق أن يقال له ، أو العدل أن يعرض عليه ، كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفّوا عن مقالة بحق ، أو مشورة بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ، ولا آمن من فعلي ، إلّا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني ، فإنما