أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره ، يملك منا ما لا نملك من أنفسنا ، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه ، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى ، وأعطانا البصيرة بعد العمى» (من الخطبة ٢٠٧).
(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(٢٤).
صورة حسية تتجسم فيها مثل الفريقين : فريق الكفر والإيمان ، فالأول كالأعمى والأصم حيث لا يستطيع الإبصار والسمع امتناعا باختيار ، والثاني كالبصير والسميع حيث يستطيعهما إمكانا باختيار فيسمع ويبصر.
فالسمع والبصر إنسانيا هما أدوات موصلة إلى العقل والقلب ، فالذين يصدون عن أبصارهم وسمعهم آيات الله الآفاقية ، هم يصبحون في أنفسهم صمّا عمين ، وهكذا يحشرون يوم القيامة كما حشروا الحياة الدنيا : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ..) (٢٠ : ١٢٤).
ذلك ، وإن طول هذه الحملة المذكرة القارعة على الصمّ العمي ، وتنوع الإشارات والتصريحات واللفتات والإيقاعات ، إن هذا كله يوحي بما كانت تواجهه القلة المؤمنة ، أمام الثلة الكافرة ، في تلك الفترة الفتيرة من تاريخ الدعوات الرسالية ، فتصوّر لنا حاجة الموقف إلى حركة في معركة إيجابية ، تقرر لكتلة الإيمان قرارا حاسما جاسما أمام كافة العرقلات بمختلف ألوانها.
فقد لا يتذوّق هذا القرآن إلّا من يخوض أمثال هذه المعارك ، دون القاعدين الذين يدرسونه بمختلف الدراسات ، إذ لا يملكون وجدانا صالحا من حق القرآن وحقيقته في تلك القعدة الباردة.
فلا بد من خوض المعارك الواقعية حين نخوض متأملين في آي الذكر الحكيم ، تجاوبا بين الحركة الدراسية والواقعية ، تطبيقا لهذا القرآن