ولو أن الدعوة الرسالية كانت مزوّدة بسؤال الأجر لحرم عن قبولها والإقبال إليها الفقراء ، ولكانت حملا على الأغنياء ولا سيما على البخلاء ، أن يؤتوا أجرا على ما لا يشتهون ، ولكانت مظنة للطمع في الأموال.
ثم (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) رعاية للذين لم يؤمنوا ويشترطون في إمكانية إيمانهم طرد الذين آمنوا ، ربطا للإيمان بشريطة اللّاإيمان ، فإن طرد المؤمنين يناحر الإيمان ، ف (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) بأنفسهم هنا ويوم اللقاء ، ولهم مالهم لإيمان وعليهم ما عليهم لو كان خلاف الإيمان : (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ. قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ. وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ. إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٢٦ : ١١١ ـ ١١٥) ـ (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٦ : ٥٧).
وهذه شيمة شنيعة للمستكبرين الرعناء اللعناء أنهم يشاقون الفقراء والضعفاء حتى في الإيمان المدعى ، فلا يجمعهم معهم حتى الإيمان بالله ـ وهو الجانب الروحي الفضيل من الإنسان ـ لأنهم يرون المقياس هو الجانب المادي الرذيل!.
وكيف تجيب الرسالات الربانية إلى متطلّبهم في طرد الفقراء ، وهي ملاجئ لهم أمام هؤلاء الهاضمين حقوقهم ، ولو كانت الرسالات ـ على حد زعم الاشتراكية البلوشية ـ حفاظات على الثروات ، فلما ذا كانت ـ على طول الخط ـ يلجأ إليها الفقراء ويطاردها الأغنياء؟!.
(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(٣٠).
ولو أنني أطرد المؤمنين لأنهم فقراء ، لكم أنتم الكافرين لأنكم أغنياء ، أم مغبة إيمانكم القاحل الماحل ، فذلك ذنب رسالي لا يغفر ، وإذا ف (مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) حيث يعاقبني (إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ناصع الحق وناصحه.
وأنا ـ إذا ـ خسرت خالص المؤمنين ، وما ربحت إلا كالس وعد