(وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٣٤).
أنا مريد أن أنصحكم رساليا دلالة إلى الحق المرام ، ولكن (لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) ربانيا حملا على الحق ف (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ولا سيما (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) بما غويتم ختما على قلوبكم : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ف «الأمر إلى الله يهدي ويضل» (١).
فقد يريد الله أن أنصح لكم دلالة إلى حق السبيل في شرعة الرسالة ، ثم ويريد أن ينفع نصحي للذين يتحرون عن الحق حتى إذا وجدوه استقبلوه وقبلوه ، وهو يريد إغواء الذين يحيدون عن الحق ويعارضونه ، وعلى أية حال لست أنا بربكم حتى أنفعكم بنصحي إلّا دلالة أو أغويكم ، وإنما (هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) هو ربكم لا سواه في المسير والمصير وليس لي من الأمر شيء إلا أنّني نذير وبشير ، والله على كل شيء قدير.
وهنا في (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) لمحة إلى أن استحقاق عذاب الاستئصال هو من خلفيات إغواء الله كما (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (١٧ : ١٦) ـ فإن أمر المترفين بما يأمر من طاعة ثقيلة لله ، حملا وجاه عباد الله ، أمرا لهؤلاء الذين يعلم أنهم يفسقون ، إنما يعني هذا الأمر ـ فيما يعني ـ إغواءهم بما غووا ، وإزاغتهم بما زاغوا كما (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) (٤١ : ٢٥) و (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (١٩ : ٨٣).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٣٤٩ في تفسير العياشي عن ابن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في الآية قال : ..
وفيه في قرب الإسناد للحميري بسند متصل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال في الآية : الأمر إلى الله يهدي من يشاء.